The Best
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

The Bestدخول
●● إعلانـات ●●
انمي تون إعلانك هنا إعلانك هنا
إعـلانـات المنتـدى

إحصائيات المنتدى
أفضل الاعضاء هذا الشهر
آخر المشاركات
أفضل الاعضاء هذا الشهر
50 المساهمات
18 المساهمات
16 المساهمات
7 المساهمات
7 المساهمات
6 المساهمات
4 المساهمات
3 المساهمات
3 المساهمات
2 المساهمات
آخر المشاركات




descriptionالطب النبــــــــوي  الجزء الثالث    Emptyالطب النبــــــــوي الجزء الثالث

more_horiz

فصل

في هديه صلى الله
عليه وسلم في المنع من التداوي بالمحرمات


روى أبو داود
في سننه
من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" إن الله أنزل الداء والدواء ، وجعل لكل داء دواء ، فتداووا ، ولا تداووا
بالمحرم " .





وذكر البخاري
في صحيحه
عن ابن مسعود : إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم .


وفي السنن : عن
أبي هريرة ، قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث .


وفي صحيح مسلم
عن طارق بن سويد الجعفي ، أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر ،
فنهاه ، أو كره أن يصنعها ، فقال : إنما
أصنعها للدواء ، فقال : " إنه ليس بدواء ، ولكنه داء " .





وفي السنن
أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الخمر يجعل في الدواء ، فقال : " إنها
داء وليست بالدواء " ، رواه أبو داود ، والترمذي
.


وفي صحيح مسلم
عن طارق بن سويد الحضرمي ، قال : " قلت : يا
رسول الله ! إن بأرضنا أعناباً نعتصرها فنشرب منها ، قال : لا
فراجعته ، قلت : إنا تستشفي للمريض ، قال : إن ذلك ليس بشفاء ولكنه داء " .


وفي سنن النسائي
أن طبيباً ذكر ضفدعاً في دواء عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنهاه عن
قتلها .


ويذكر عنه صلى الله
عليه وسلم أنه قال : " من تداوى بالخمر ، فلا شفاه
الله " .





المعالجة بالمحرمات
قبيحة عقلاً وشرعاً ، أما الشرع فما ذكرنا من هذه الأحاديث وغيرها ، وأما العقل ،
فهو أن الله سبحانه إنما حرمه لخبثه ، فإنه لم يحرم على هذه الأمة طيباً عقوبة لها
، كما حرمه على بني إسرائيل بقوله : " فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم
طيبات أحلت لهم " [ النساء : 160 ] ، وإنما حرم على هذه الأمة ما حرم لخبثه ،
ولحريمه له حمية لهم ، وصيانة عن تناوله ،


فلا يناسب أن يطلب
به الشفاء من الأسقام والعلل ، فإنه وإن أثر في إزالتها ، لكنه يعقب سقماً أعظم
منه في القلب بقوة الخبث الذي فيه ، فيكون المداوى به قد سعى في إزالة سقم البدن
بسقم القلب .





وأيضاً فإن تحريمه
يقتضي تجنبه والبعد عنه بكل طريق ، وفي اتخاذه دواء حض على الترغيب فيه وملابسته ،
وهذا ضد مقصود الشارع ، وأيضاً فإنه داء كما نص عليه صاحب الشريعة ، فلا يجوز أن
يتخذ دواء .


وأيضاً فإنه يكسب
الطبيعة والروح صفة الخبث ، لأن الطبيعة تنفعل عن كيفية الدواء انفعالاً بيناً ،
فإذا كانت كيفيته خبيثة ، اكتسبت الطبيعة منه خبثاً ، فكيف إذا كان خبيثاً في ذاته
، ولهذا حرم الله سبحانه على عباده الأغذية والأشربة والملابس الخبيثة ، لما تكسب
النفس من هيئة الخبث وصفته .





وأيضاً فإن في
إباحة التداوي به ، ولا سيما إذا كانت النفوس تميل إليه ذريعة إلى تناوله للشهوة
واللذة ، لا سيما إذا عرفت النفوس أنه نافع لها مزيل لأسقامها جالب لشفائها ، فهذا
أحب شئ إليها ، والشارع سد الذريعة إلى تناوله بكل ممكن ، ولا ريب أن بين سد
الذريعة إلى تناوله ، وفتح الذريعة إلى تأوله تناقضاً وتعارضاً .


وأيضاً فإن في هذا
الدواء المحرم من الأدواء ما يزيد على ما يظن فيه من الشفاء ، ولنفرض الكلام في أم
الخبائث التي ما جعل الله لنا فيها شفاء قط ، فإنها شديدة المضرة بالدماغ الذي هو
مركز العقل عند الأطباء ، وكثير من الفقهاء والمتكلمين . قال أبقراط في أثناء
كلامه في الأمراض الحادة : ضرر الخمرة بالرأس شديد . لأنه يسرع الإرتفاع إليه . ويرتفع
بارتفاعه الأخلاط التي تعلو في البدن ، وهو كذلك يضر
بالذهن .





وقال صاحب الكامل : إن خاصية الشراب الإضرار بالدماغ والعصب . وأما
غيره من الأدوية المحرمة فنوعان :


أحدهما
:
تعافه
النفس ولا تنبعث لمساعدته الطبيعة على دفع المرض به كالسموم ، ولحوم الأفاعي
وغيرها من المستقذرات ، فيبقى كلاً على الطبيعة مثقلاً لها ، فيصير حينئذ داء لا
دواء .


والثاني
:
ما لا
تعافه النفس كالشراب الذي تستعمله الحوامل مثلاً ، فهذا ضرره أكثر من نفعه ،
والعقل يقضي بتحريم ذلك ، فالعقل والفطرة مطابق للشرع في ذلك .


وها هنا سر لطيف في
كون المحرمات لا يستشفى بها ، فإن شرط الشفاء بالدواء تلقيه بالقبول ، واعتقاد
منفعته ، وما جعل الله فيه من بركة الشفاء ، فإن النافع هو المبارك ، وأنفع
الأشياء وأبركها ، المبارك من الناس أينما كان هو الذي ينتفع به حيث حل ، ومعلوم أن اعتقاد المسلم تحريم هذه العين
مما يحول بينه وبين اعتقاد بركتها ومنفعتها ، وبين حسن ظنه بها ، وتلقيه طبعه لها
بالقبول ، بل كلما كان العبد أعظم إيماناً ، كان أكره لها وأسوأ اعتقاداً فيها ،
وطبعه أكره شئ لها ، فإذا تناولها في هذه الحال ، كانت داء له لا دواء إلا أن يزول
اعتقاد الخبث فيها ، وسوء الظن والكراهة لها بالمحبة ، وهذا ينافي الإيمان ، فلا
يتناولها المؤمن قط إلا على وجه داء ، والله أعلم
.




فصل

في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج
القمل الذي في الرأس وإزالته


في الصحيحين
عن كعب بن عجرة ، قال : كان بي أذى من رأسي ، فحملت إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي ، فقال : " ما كنت أرى الجهد قد بلغ بك ما
أرى " ، وفي رواية : فأمره أن يحلق رأسه ، وأن يطعم فرقاً بين ستة ، أو يهدي
شاة ، أو يصوم ثلاثة أيام .





القمل يتولد في
الرأس والبدن من شيئين : خارج عن البدن وداخل فيه ، فالخارج : الوسخ والدنر
المتراكم في سطح الجسد ، والثاني من خلط رديء عفن تدفعه الطبيعة بين الجلد واللحم
، فيتعفن بالرطوبة الدموية في البشرة بعد خروجها من المسام، فيكون منه القمل ،
وأكثر ما يكون ذلك بعد العلل والأسقام ، وبسبب الأوساخ ، وإنما كان في رؤوس
الصبيان أكثر لكثرة رطوباتهم وتعاطيهم الاسباب التي تولد القمل ، ولذلك حلق النبي
صلى الله عليه وسلم رؤوس بني جعفر
.


ومن أكبر علاجه حلق
الرأس لتنفتح مسام الأبخرة ، فتتصاعد الأبخرة الرديئة ، فتضعف مادة الخلط ، ويبنغي
أن يطلى الرأس بعد ذلك بالأدوية التي تقتل القمل ، وتمنع تولده .





وحلق الرأس ثلاثة أنواع : أحدها : نسك وقربة . والثاني : بدعة
وشرك ، والثالث : حاجة ودواء ، فالأول : الحلق في أحد النسكين ، الحج أو
العمرة . والثاني : حلق الرأس لغير الله سبحانه ، كما يحلقها المريدون لشيوخهم ،
فيقول أحدهم : أنا حلقت رأسي لفلان ، وأنت حلقته لفلان ، وهذا بمنزلة أن يقول : سجدت
لفلان ، فإن حلق الرأس خضوع وعبودية وذل ، ولهذا كان من تمام الحج ، حتى إنه عند
الشافعي ركن من أركانه لا يتم إلا به ، فإنه وضع النواصي بين يدي ربها خضوعاً
لعظمته ، وتذللاً لعزته ، وهو من أبلغ أنواع العبودية ، ولهذا كانت العرب إذا
أرادت إذلال الأسير منهم وعتقه ، حلقوا رأسه وأطلقوه ، فجاء شيوخ الضلال ،
والمزاحمون للربوبية الذين أساس مشيختهم على الشرك والبدعة ، فأرادوا من مريديهم
أن يتعبدوا لهم ، فزينوا لهم حلق رؤوسهم لهم ، كما زينوا لهم السجود لهم ، وسموه
بغير اسمه ، وقالوا : هو وضع الرأس بين يدي الشيخ ، ولعمر الله إن السجود لله هو
وضع الرأس بين يديه سبحانه ، وزينوا لهم أن ينذروا لهم ، ويتوبوا لهم ، ويحلفوا
بأسمائهم ، وهذا هو اتخاذهم أرباباً وآلهة من دون الله ، قال تعالى : " ما
كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من
دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون * ولا
يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون "
[ آل عمران : 79 - 80 ] .


وأشرف العبودية
عبودية الصلاة ، وقد تقاسمها الشيوخ والمتشبهون بالعلماء والجبابرة ، فأخذ الشيوخ
منها أشرف ما فيها ، وهو السجود ، وأخذ المتشبهون بالعلماء منها الركوع ، فإذا لقي
بعضهم بعضاً ركع له كما يركع المصلي لربه سواء ، وأخذ الجبابرة منهم القيام ،
فيقوم الأحرار والعبيد على رؤوسهم عبودية لهم ، وهم جلوس ، وقد نهى رسول الله صلى
الله عليه وسلم عن هذه الأمور الثلاثة على التفصيل ، فتعاطيها . مخالفة صريحة له ،
فنهى عن السجود لغير الله وقال : " لا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد " . وأنكر
على معاذ لما سجد له وقال : مه .





وتحريم هذا معلوم
من دينه بالضرورة ، وتجويز من جوزه لغير الله مراغمة لله ورسوله ، وهو من أبلغ
أنواع العبودية ، فإذا جوز هذا المشرك هذا النوع للبشر ، فقد جوز العبودية لغير
الله ، وقد صح أنه قيل له : الرجل يلقى أخاه أينحني له ؟ قال : لا . قيل
: أيلتزمه ويقبله قال : لا . قيل : أيصافحه ؟
قال : نعم .


وأيضاً : فالإنحناء
عند التحية سجود ، ومنه قوله تعالى : " وادخلوا الباب سجدا " [ البقرة :
58 ] أي منحنين ، وإلا فلا يمكن الدخول على الجباه ، وصح عنه النهي عن القيام ،
وهو جالس ، كما تعظم الأعاجم بعضها بعضاً ، حتى منع من ذلك في الصلاة ، وأمرهم إذا
صلى جالساً أن يصلوا جلوساً ، وهم أصحاء لا عذر لهم ، لئلا يقوموا على رأسه وهو
جالس ، مع أن قيامهم لله ، فكيف إذا كان القيام تعظيماً وعبودية لغيره سبحانه .





والمقصود : أن
النفوس الجاهلة الضالة أسقطت عبودية الله سبحانه ، وأشركت فيها من تعظمه من الخلق
، فسجدت لغير الله ، وركعت له ، وقامت بين يديه قيام الصلاة ، وحلفت بغيره ، ونذرت
لغيره ، وحلقت لغيره ، وذبحت لغيره ، وطافت لغير بيته ، وعظمته بالحب ، والخوف ،
والرجاء ، والطاعة ، كما يعظم الخالق ، بل أشد ، وسوت من تعبده من المخلوقين برب
العالمين ، وهؤلاء هم المضادون لدعوة الرسل ، وهم الذين بربهم يعدلون ، وهم الذين
يقولون - وهم في النار مع آلهتهم يختصمون - :
" تالله إن كنا لفي ضلال مبين * إذ نسويكم برب العالمين " [ الشعراء
: 98 ] . وهم الذين قال فيهم : " ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا
يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله " [ البقرة : 165 ] ، وهذا كله من
الشرك ، والله لا يغفر أن يشرك به . فهذا فصل معترض في هديه في حلق الرأس ، ولعله أهم مما قصد الكلام فيه ،
والله الموفق .




فصل

فصول في هديه صلى
الله عليه وسلم في العلاج بالأدوية الروحانية الإلهية المفردة ،
والمركبة منها ، ومن الأدوية الطبيعية





فصل



في
هديه صلى الله عليه وسلم في علاج
المصاب بالعين


روى مسلم في صحيحه
عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " العين حق
ولو كان شئ سابق القدر ، لسبقته العين
" .


وفي صحيحه
أيضاً عن أنس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في الرقية من الحمة والعين
والنملة .


وفي الصحيحين
من حديث أبى هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " العين
حق " .


وفي سنن أبي داود
عن عائشة رضى الله عنها قالت : كان يؤمر العائن فيتوضأ ، ثم يغتسل منه
المعين .


وفي الصحيحين
عن عائشة قالت : أمرني النبي صلى الله عليه وسلم ، أو أمر أن نسترقي من
العين .


وذكر الترمذي ، من
حديث سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عروة بن عامر ، عن عبيد بن رفاعة
الزرقي ، أن أسماء بنت عميس ، قالت : يا رسول الله ! إن بني جعفر تصيبهم العين
أفأسترقي لهم ؟ فقال : " نعم فلو كان شئ يسبق القضاء لسبقته العين " قال
الترمذي : حديث حسن صحيح .


وروى مالك رحمه
الله : عن ابن شهاب ، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ، قال : " رأى عامر بن
ربيعة سهل بن حنيف يغتسل ، فقال : والله ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة ! قال : فلبط
سهل ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عامراً ، فتغيظ عليه وقال : علام يقتل أحدكم أخاه ألا بركت اغتسل له ، فغسل له عامر وجهه ويديه ، ومرفقيه وركبتيه ،
وأطراف رجليه ، وداخلة إزاره في قدح ، ثم صب عليه ، فراح مع الناس " .


وروى مالك رحمه
الله أيضاً عن محمد بن أبي أمامة بن سهل ، عن أبيه هذا الحديث ، وقال فيه : "
إن العين حق ، توضأ له " . فتوضأ له
.






وذكر عبد الرزاق ،
عن معمر ، عن ابن طاووس ، عن أبيه مرفوعاً " العين حق ، ولو كان شيء سابق
القدر ، لسبقته العين ، وإذا استغسل أحدكم ، فليغتسل " ووصله صحيح .


قال الزهري : يؤمر
الرجل العائن بقدح ، فيدخل كفه فيه ، فيتمضمض ، ثم يمجه في القدح ، ويغسل وجهه في
القدح ، ثم يدخل يده اليسرى ، فيصب على ركبته اليمنى في القدح ، ثم يدخل يده
اليمنى ، فيصب على ركبته اليسرى ، ثم يغسل داخلة إزاره ، ولا يوضع القدح في الأرض
، ثم يصب على رأس الرجل الذي تصيبه العين من خلفه صبة واحدة .


والعين : عينان : عين
إنسية ، وعين جنية ، فقد صح عن أم سلمة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في
بيتها جارية في وجهها سفعة ، فقال : " استرقوا لها ، فإن بها النظرة " .


قال الحسين بن
مسعود الفراء : وقوله : سفعة . أي نظرة ، يعني : من
الجن ، يقول : بها عين أصابتها من نظر الجن أنفذ من أسنة الرماح .






ويذكر عن جابر يرفعه : " إن العين لتدخل الرجل القبر ، والجمل القدر " .

وعن أبي سعيد ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من الجان ، ومن
عين الإنسان .


فأبطلت طائفة ممن
قل نصيبهم من السمع والعقل أمر العين ، وقالوا : إنما
ذلك أوهام لا حقيقة له ، وهؤلاء من أجهل الناس بالسمع والعقل ، ومن أغلظهم حجاباً
، وأكثفهم طباعاً ، وأبعدهم معرفة عن الأرواح والنفوس . وصفاتها وأفعالها وتأثيراتها ، وعقلاء الأمم على اختلاف مللهم ونحلهم لا تدفع
أمر العين ، ولا تنكره ، وإن اختلفوا في سببه وجهة تأثير العين .


فقالت طائفة : إن
العائن إذا تكيفت نفسه بالكيفية الرديئة ، انبعث من عينه قوة سمية تتصل بالمعين ،
فيتضرر . قالوا : ولا يستنكر هذا ، كما لا يستنكر انبعاث قوة سمية من الأفعى تتصل
بالإنسان ، فيهلك ، وهذا أمر قد اشتهر عن نوع من الأفاعي أنها إذا وقع بصرها على
الإنسان هلك ، فكذلك العائن .






وقالت فرقة أخرى : لا يستبعد أن ينبعث من عين بعض الناس جواهر لطيفة غير
مرئية ، فتتصل بالمعين ، وتتخلل مسام جسمه ، فيحصل له الضرر .


وقالت فرقة أخرى : قد
أجرى الله العادة بخلق ما يشاء من الضرر عند مقابلة عين العائن لمن يعينه من غير
أن يكون منه قوة ولا سبب ولا تأثير أصلاً ، وهذا مذهب منكري الأسباب والقوى
والتأثيرات في العالم ، وهؤلاء قد سدوا على أنفسهم باب العلل والتأثيرات والأسباب
، وخالفوا العقلاء أجمعين .







ولا ريب أن الله
سبحانه خلق في الأجسام والأرواح قوى وطبائع مختلفة ، وجعل في كثير منها خواص
وكيفيات مؤثرة ، ولا يمكن لعاقل إنكار تأثير الأرواح في الأجسام ، فإنه أمر مشاهد
محسوس ، وأنت ترى الوجه كيف يحمر حمرة شديدة إذا نظر إليه من يحتشمه ويستحي منه ،
ويصفر صفرة شديدة عند نظر من يخافه إليه ، وقد شاهد الناس من يسقم من النظر وتضعف
قواه ، وهذا كله بواسطة تأثير الأرواح ، ولشدة ارتباطها بالعين ينسب الفعل إليها ،
وليست هي الفاعلة ، وإنما التأثير للروح ، والأرواح مختلفة في طبائعها وقواها
وكيفياتها وخواصها ، فروح الحاسد مؤذية للمحسود أذى بيناً ، ولهذا أمر الله - سبحانه
- رسوله أن يستعيذ به من شره ، وتأثير الحاسد في أذى المحسود أمر لا ينكره إلا من
هو خارج عن حقيقة الإنسانية ، وهو أصل الإصابة بالعين ، فإن النفس الخبيثة الحاسدة
تتكيف بكيفية خبيثة ، وتقابل المحسود ،
فتؤثر فيه بتلك الخاصية ، وأشبه الأشياء بهذا الأفعى ، فإن السم كامن فيها بالقوة
، فإذا قابلت عدوها ، انبعثت منها


قوة غضبية ، وتكيفت
بكيفية خبيثة مؤذية ، فمنها ما تشد كيفيتها وتقوى حتى تؤثر في إسقاط الجنين ،
ومنها ما تؤثر في طمس البصر ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الأبتر ، وذي
الطفيتين من الحيات : " إنهما يلتمسان البصر ، ويسقطان الحبل " .




ومنها ، ما تؤثر في
الإنسان كيفيتها بمجرد الرؤية من غير اتصال به ، لشدة خبث تلك النفس ، وكيفيتها
الخبيثة المؤثرة ، والتأثير غير موقوف على الإتصالات الجسمية ، كما يظنه من قل
علمه ومعرفته بالطبيعة والشريعة ، بل التأثير يكون تارة بالإتصال ، وتارة
بالمقابلة ، وتارة بالرؤية ، وتارة بتوجه الروح نحو من يؤثر فيه ، وتارة بالأدعية
والرقى والتعوذات ، وتارة بالوهم والتخيل ، ونفس العائن لا يتوقف تأثيرها على
الرؤية ، بل قد يكون أعمى ، فيوصف له الشئ ، فتؤثر نفسه فيه ، وإن لم يره ، وكثير
من العائنين يؤثر في المعين بالوصف من غير رؤية ، وقد قال تعالى لنبيه : " وإن
يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر " [ القلم : 51 ] . وقال
: " قل أعوذ برب الفلق * من شر ما خلق * ومن شر غاسق إذا وقب * ومن شر
النفاثات في العقد * ومن شر حاسد إذا حسد " ، فكل عائن حاسد ، وليس كل حاسد
عائناً ، فلما كان الحاسد أعم من العائن ، كانت الإستعاذة منه استعاذة من العائن ،
وهي سهام تخرج من نفس الحاسد والعائن نحو المحسود والمعين تصيبه تارة وتخطئه تارة
، فإن صادفته مكشوفاً لا وقاية عليه ، أثرت فيه ، ولا بد ، وإن صادفته حذراً شاكي
السلاح لا منفذ فيه للسهام ، لم تؤثر فيه ، وربما ردت السهام على صاحبها ، وهذا
بمثابة الرمي الحسي سواء ، فهذا من النفوس والأرواح ، وذلك من الأجسام والأشباح . وأصله
من إعجاب العائن بالشئ ، ثم تتبعه كيفية نفسه الخبيثة ، ثم تستعين على تنفيذ سمها
بنظرة إلى المعين ، وقد يعين الرجل نفسه ، وقد يعين بغير إرادته ، بل بطبعه ، وهذا
أردأ ما يكون من النوع الإنساني ، وقد قال أصحابنا وغيرهم من الفقهاء : إن من عرف
بذلك ، حبسه الإمام ، وأجرى له ما ينفق عليه إلى الموت ، وهذا هو الصواب قطعاً .





فصل


والمقصود : العلاج
النبوي لهذه العلة ، وهو أنواع ، وقد روى أبو داود في سننه
عن سهل بن حنيف ، قال : مررنا بسيل ، فدخلت ، فاغتسلت فيه ، فخرجت محموماً
، فنمي ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " مروا أبا ثابت
يتعوذ ، قال : فقلت : يا سيدي ! والرقى صالحة ؟ فقال :
لا رقية إلا في نفس ، أو حمة أو لدغة
" .


والنفس : العين ،
يقال : أصابت فلاناً نفس ، أي : عين . والنافس : العائن . واللدغة - بدال مهملة
وغين معجمة - وهي ضربة العقرب ونحوها
.






فمن التعوذات
والرقى الإكثار من قراءة المعوذتين ، وفاتحة الكتاب ، وآية الكرسي ، ومنها
التعوذات النبوية .


نحو
:
أعوذ
بكلمات الله التامات من شر ما خلق
.


ونحو : أعوذ بكلمات
الله التامة من كل شيطان وهامة ، ومن كل عين لامة
.


ونحو : أعوذ بكلمات
الله التامات التي لا يجاورهن بر ولا فاجر ، من شر ما خلق وذرأ وبرأ ، ومن شر ما
ينزل من السماء ، ومن شر ما يعرج فيها ، ومن شر ما ذرأ في الأرض ، ومن شر ما يخرج
منها ، ومن شر فتن الليل ، والنهار ، ومن شر طوارق الليل إلا طارقاً يطرق بخير يا
رحمن .






ومنها : أعوذ
بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه ، ومن شر عباده ، ومن همزات الشياطين وأن
يحضرون .


ومنها : اللهم إني
أعوذ بوجهك الكريم ، وكلماتك التامات من شر ما أنت آخذ بناصيته ، اللهم أنت تكشف
المأثم والمغرم ، اللهم إنه لا يهزم جندك ، ولا يخلف وعدك ، سبحانك وبحمدك .


ومنها : أعوذ بوجه
الله العظيم الذي لا شئ أعظم منه ، وبكلماته التامات التي لا يجاورهن بر لا فاجر ،
وأسماء الله الحسنى ، ما علمت منها وما لم أعلم ، من شر ما خلق وذرأ وبرأ ، ومن شر
كل ذي شر لا أطيق شره ، ومن شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته ، إن ربي على صراط مستقيم .






ومنها : اللهم أنت
ربي لا إله إلا أنت ، عليك توكلت ، وأنت رب العرش العظيم ، ما شاء الله كان ، وما
لم يشأ لم يكن ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، أعلم أن الله على كل شئ قدير ، وأن
الله قد أحاط بكل شئ علماً ، وأحصى كل شئ عدداً ، اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي ،
وشر الشيطان وشركه ، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها ، إن ربي على صراط مستقيم .



وإن شاء قال : تحصنت
بالله الذي لا إله إلا هو ، إلهي وإله كل شئ ، واعتصمت بربي ورب كل شئ ، وتوكلت
على الحي الذي لا يموت ، واستدفعت الشر بلا حول ولا قوة إلا بالله ، حسبي الله
ونعم الوكيل ، حسبي الرب من العباد ، حسبي الخالق من المخلوق ، حسبي الرازق من
المرزوق ، حسبي الذي هو حسبي ، حسبي الذي بيده ملكوت كل شئ ، وهو يجير ولا يجار
عليه ،


حسبي الله وكفى ، سمع الله لمن دعا ، ليس وراء الله مرمى ، حسبي الله لا
إله إلا هو ، عليه توكلت ، وهو رب العرش العظيم
.


ومن جرب هذه
الدعوات والعوذ ، عرف مقدار منفعتها ، وشدة الحاجة إليها ، وهي تمنع وصول أثر
العائن ، وتدفعه بعد وصوله بحسب قوة إيمان قائلها ، وقوة نفسه ، واستعداده ، وقوة
توكله وثبات قلبه ، فإنها سلاح ، والسلاح بضاربه
.





فصل


وإذا كان العائن
يخشى ضرر عينه وإصابتها للمعين ، فليدفع شرها بقوله : اللهم بارك عليه ، كما قال
النبي صلى الله عليه وسلم لعامر بن ربيعة لما عان سهل بن حنيف : " ألا بركت "
أي : قلت : اللهم بارك عليه .


ومما يدفع به إصابة
العين قول : ما شاء الله لا قوة إلا بالله ، روى هشام بن عروة ، عن أبيه ، أنه كان
إذا رأى شيئاً يعجبه ، أو دخل حائطاً من حيطانه قال : ما شاء الله ، لا قوة إلا
بالله .


ومنها رقية جبريل
عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم التي رواها مسلم في صحيحه "
باسم الله أرقيك ، من كل شئ يؤذيك ، من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك ، باسم
الله أرقيك " .


ورأى جماعة من
السلف أن تكتب له الآيات من القرآن ، ثم يشربها . قال
مجاهد : لا بأس أن يكتب القرآن ، ويغسله ، ويسقيه المريض ، ومثله عن أبي قلابة . ويذكر
عن ابن عباس : أنه أمر أن يكتب لامرأة تعسر عليها ولادها أثر من القرآن ، ثم يغسل
وتسقى . وقال أيوب : رأيت أبا قلابة كتب كتاباً من القرآن ، ثم غسله بماء ، وسقاه
رجلاً كان به وجع .





فصل


ومنها : أن يؤمر
العائن بغسل مغابنه وأطرافه وداخلة إزاره ، وفيه قولان . أحدهما : أنه فرجه . والثاني
: أنه طرف إزاره الداخل الذي يلي جسده من الجانب الأيمن ، ثم يصب على رأس المعين
من خلفه بغتة ، وهذا مما لا يناله علاج الأطباء ، ولا ينتفع به من أنكره ، أو سخر
منه ، أو شك فيه ، أو فعله مجرباً لا يعتقد أن ذلك ينفعه
.






وإذا كان في
الطبيعة خواص لا تعرف الأطباء عللها البتة ، بل هي عندهم خارجة عن قياس الطبيعة
تفعل بالخاصية ، فما الذي ينكره زنادقتهم وجهلتهم من الخواص الشرعية ، هذا مع أن
في المعالجة بهذا الإستغسال ما تشهد له العقول الصحيحة ، وتقر لمناسبته ، فاعلم أن
ترياق سم الحية في لحمها ، وأن علاج تأثير النفس الغضبية في تسكين غضبها ، وإطفاء
ناره بوضع يدك عليه ، والمسح عليه ، وتسكين غضبه ، وذلك بمنزلة رجل معه شعلة من
نار ، وقد أراد أن يقذفك بها ، فصببت عليها الماء ، وهي في يده حتى طفئت ، ولذلك
أمر العائن أن يقول : اللهم بارك
عليه ليدفع تلك الكيفية الخبيثة بالدعاء
الذي هو إحسان إلى المعين ، فإن دواء الشئ بضده . ولما كانت هذه الكيفية الخبيثة تظهر
في المواضع الرقيقة من الجسد ، لأنها تطلب النفوذ ، فلا تجد أرق من المغابن ،
وداخلة الإزار ، ولا سيما إن كان كناية عن الفرج ، فإذا غسلت بالماء ، بطل تأثيرها
وعملها ، وأيضاً فهذه المواضع للأرواح الشيطانية بها اختصاص .


والمقصود : أن
غسلها بالماء يطفئ تلك النارية ، ويذهب بتلك السمية
.






وفيه أمر آخر ، وهو
وصول أثر الغسل إلى القلب من أرق المواضع وأسرعها تنفيذاً ، فيطفئ تلك النارية
والسمية بالماء ، فيشفى المعين ، وهذا كما أن ذوات السموم إذا قتلت بعد لسعها ، خف
أثر اللسعة عن الملسوع ، ووجد راحة ، فإن أنفسها تمد أذاها بعد لسعها ، وتوصله إلى
الملسوع . فإذا قتلت ، خف الألم ، وهذا مشاهد . وإن كان من أسبابه فرح الملسوع ،
واشتفاء نفسه بقتل عدوه ، فتقوى الطبيعة على الألم ، فتدفعه .






وبالجملة : غسل
العائن يذهب تلك الكيفية التي ظهرت منه ، وإنما ينفع غسله عند تكيف نفسه بتلك
الكيفية .



فإن قيل : فقد ظهرت مناسبة الغسل ، فما مناسبة صب ذلك الماء على
المعين ؟ قيل : هو في غاية المناسبة ، فإن ذلك الماء ماء طفئ به تلك النارية ،
وأبطل تلك الكيفية الرديئة من الفاعل ، فكما طفئت به النارية القائمة بالفاعل طفئت
به ، وأبطلت عن المحل المتأثر بعد ملابسته للمؤثر العائن ، والماء الذي يطفأ به
الحديد يدخل في أدوية عدة طبيعية ذكرها الأطباء ، فهذا الذي طفئ به


نارية العائن ، لا
يستنكر أن يدخل في دواء يناسب هذا الداء . وبالجملة : فطب الطبائعية وعلاجهم
بالنسبة إلى العلاج النبوي ، كطب الطرقية بالنسبة إلى طبهم ، بل أقل ، فإن التفاوت
الذي بينهم وبين الأنبياء أعظم ، وأعظم من التفاوت الذي بينهم وبين الطرقية بما لا
يدرك الإنسان مقدراه ، فقد ظهر لك عقد الإخاء الذي بين الحكمة والشرع ، وعدم
مناقضة أحدهما للآخر ، والله يهدي من يشاء إلى الصواب ، ويفتح لمن أدام قرع باب
التوفيق منه كل باب ، وله النعمة السابغة ، والحجة البالغة .





فصل



ومن علاج ذلك أيضاً
والإحتراز منه ستر محاسن من يخاف عليه العين بما يردها عنه ، كما ذكر البغوي في
كتاب شرح السنة : أن عثمان رضي الله عنه رأى صبياً مليحاً ،
فقال : دسموا نونته ، لئلا تصيبه العين ، ثم قال في تفسيره : ومعنى : دسموا


نونته : أي : سودوا
نونته ، والنونة : النقرة التي تكون في ذقن الصبي الصغير
.


وقال الخطابي
في غريب الحديث له عن عثمان : إنه رأى صبياً تأخذه العين ،
فقال : دسموا نونته . فقال أبو عمرو : سألت أحمد بن يحيى عنه ، فقال : أراد
بالنونة : النقرة التي في ذقنه . والتدسيم : التسويد . أراد
: سودوا ذلك الموضع من ذقنه ، ليرد العين . قال : ومن
هذا حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب ذات يوم ، وعلى رأسه عمامة
دسماء . أي : سوداء . أراد الإستشهاد على
اللفظة ، ومن هذا أخذ الشاعر قوله
:



ما كان أحوج ذا
الكمال إلى
عيـــب يـوقيــه مـن العين





فصل


ومن الرقى التي ترد
العين ما ذكر عن أبي عبد الله الساجي ، أنه كان في بعض أسفاره للحج أو الغزو على
ناقة فارهة ، وكان في الرفقة رجل عائن ، قلما نظر إلى شئ إلا أتلفه ، فقيل لأبي عبد
الله : إحفظ ناقتك من العائن ، فقال : ليس له إلى ناقتي سبيل ، فأخبر العائن بقوله
، فتحين غيبة أبي عبد الله ، فجاء إلى رحله ، فنظر إلى الناقة ، فاضطربت وسقطت ،
فجاء أبو عبد الله ، فأخبر أن العائن قد عانها ، وهي كما ترى ، فقال : دلوني عليه
، فدل ، فوقف عليه ، وقال : بسم الله ، حبس حابس ، وحجر يابس ، وشهاب قابس ، رددت
عين العائن عليه ، وعلى أحب الناس إليه ، " فارجع البصر هل ترى من فطور * ثم
ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير " [ الملك : 3 ، 4 ] فخرجت
حدقتا العائن ، وقامت الناقة لا بأس بها
.





فصل


في هديه صلى الله عليه وسلم في العلاج
العام لكل شكوى بالرقية الإلهية


روى أبو داود
في سننه
من حديث أبي الدرداء ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
" من اشتكى منكم شيئاً ، أو اشتكاه أخ له فليقل : ربنا الله الذي في السماء ،
تقدس اسمك ، أمرك في السماء والأرض كما رحمتك في السماء ، فاجعل رحمتك في الأرض ،
واغفر لنا حوبنا وخطايانا أنت رب الطيبين ، أنزل رحمة من رحمتك ، وشفاء من شفائك
على هذا الوجع ، فيبرأ بإذن الله
" .


وفي صحيح مسلم
عن أبي سعيد الخدري ، " أن جبريل - عليه السلام - أتى النبي صلى الله
عليه وسلم فقال : يا محمد ! أشتكيت ؟ فقال :
نعم ، فقال جبريل - عليه السلام -
: باسم الله أرقيك من كل شئ يؤذيك من شر
كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك باسم الله أرقيك
" .


فإن قيل : فما
تقولون في الحديث الذي رواه أبو داود : " لا رقية إلا من عين ، أو حمة ، . .
" والحمة : ذوات السموم كلها
.


فالجواب أنه صلى
الله عليه وسلم لم يرد به نفي جواز الرقية في غيرها ، بل المراد به : لا رقية أولى
وأنفع منها في العين والحمة ، ويدل عليه سياق الحديث ، فإن سهل بن حنيف قال له لما
أصابته العين : أوفي الرقى خير ؟ فقال : " لا رقية إلا في نقس أو حمة " ويدل
عليه سائر أحاديث الرقى العامة والخاصة ، وقد روى أبو داود من حديث أنس قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا رقية إلا من عين أو حمة أو دم يرقأ " .


وفي صحيح مسلم
عنه أيضاً : رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرقية من العين والحمة
والنملة .






فصل

في هديه صلى الله
عليه وسلم في رقية اللديغ بالفاتحة


أخرجا في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري ، قال : انطلق نفر من
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب
، فاستضافوهم ، فأبوا أن يضيفوهم ، فلدغ سيد ذلك الحي ، فسعوا له بكل شئ لا ينفعه
شئ ، فقال بعضهم : لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعلهم أن يكون عند بعضهم شئ ،
فأتوهم ، فقالوا : يا أيها الرهط ! إن
سيدنا لدغ ، وسعينا له بكل شئ لا ينفعه ، فهل عند أحد منكم من شئ ؟ فقال بعضهم : نعم
والله إني لأرقي ، ولكن استضفناكم ، فلم تضيفونا ، فما أنا براق حتى تجعلوا لنا
جعلاً ، فصالحوهم على قطيع من الغنم ، فانطلق يتفل عليه ، ويقرأ : الحمد لله رب
العالمين ، فكأنما أنشط من عقال ، فانطلق يمشي وما به قلبة ، قال : فأوفوهم جعلهم
الذي صالحوهم عليه ، فقال بعضهم : اقتسموا ، فقال الذي رقى : لا تفعلوا حتى نأتي
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنذكر له الذي كان ، فننظر ما يأمرنا ، فقدموا على
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكروا له ذلك ، فقال : " وما يدريك أنها
رقية ؟ ، ثم قال : قد أصبتم ، اقسموا واضربوا لي معكم سهماً " .





وقد روى ابن ماجه
في سننه
من حديث علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خير الدواء
القرآن " .


ومن المعلوم أن بعض
الكلام له خواص ومنافع مجربة ، فما الظن بكلام رب العالمين ، الذي فضله على كل
كلام كفضل الله على خلقه الذي هو الشفاء التام ، والعصمة النافعة ، والنور الهادي
، والرحمة العامة ، الذي لو أنزل على جبل لتصدع من عظمته وجلالته . قال تعالى : " وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة
للمؤمنين " [ الإسراء : 82 ] ، و
من ها هنا لبيان الجنس لا للتبعيض
، هذا أصح القولين ، كقوله تعالى : " وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات
منهم مغفرة وأجرا عظيما " [ الفتح : 129 ] وكلهم من الذين آمنوا وعملوا
الصالحات ، فما الظن بفاتحة الكتاب التي لم ينزل في القرآن ، ولا في التوراة ، ولا
في الإنجيل ، ولا في الزبور مثلها ، المتضمنة لجميع معاني كتب الله ، المشتملة على
ذكر أصول أسماء الرب - تعالى - ومجامعها ، وهي الله ، والرب ، والرحمن ، وإثبات
المعاد ، وذكر التوحيدين : توحيد الربوبية ، وتوحيد الإلهية ، وذكر الإفتقار إلى
الرب سبحانه في طلب الإعانة وطلب الهداية ، وتخصيصه سبحانه بذلك ، وذكر أفضل
الدعاء على الإطلاق وأنفعه وأفرضه ، وما العباد أحوج شئ إليه ، وهو الهداية إلى
صراطه المستقيم ، المتضمن كمال معرفته وتوحيده وعبادته - بفعل ما أمر به ، واجتناب
ما نهى عنه ، والإستقامة عليه إلى الممات ، ويتضمن ذكر أصناف الخلائق وانقسامهم
إلى منعم عليه بمعرفة الحق ، والعمل به ، ومحبته ، وإيثاره ، ومغضوب عليه بعدوله
عن الحق بعد معرفته له ، وضال بعدم معرفته له . وهؤلاء أقسام الخليقة مع تضمنها
لإثبات القدر ، والشرع، والأسماء، والصفات ، والمعاد ، والنبوات ، وتزكية النفوس ،
وإصلاح القلوب ، وذكر عدل الله وإحسانه ، والرد على جميع أهل البدع والباطل ، كما ذكرنا ذلك في كتابنا الكبير مدارج السالكين في شرحها . وحقيق بسورة هذا بعض شأنها ، أن
يستشفى بها من الأدواء ، ويرقى بها اللديغ
.





وبالجملة فما
تضمنته الفاتحة من إخلاص العبودية والثناء على الله ، وتفويض الأمر كله إليه ،
والإستعانة به ، والتوكل عليه ، وسؤاله مجامع النعم كلها ، وهي الهداية التي تجلب
النعم ، وتدفع النقم ، من أعظم الأدوية الشافية الكافية
.


وقد قيل : إن موضع
الرقية منها : " إياك نعبد وإياك نستعين " ، ولا ريب أن هاتين الكلمتين
من أقوى أجزاء هذا الدواء ، فإن فيهما من عموم التفويض والتوكل ، والإلتجاء
والإستعانة ، والإفتقار والطلب ، والجمع بين أعلى الغايات ، وهي عبادة الرب وحده ، وأشرف الوسائل وهي الإستعانة به على
عبادته ما ليس في غيرها ، ولقد مر بي وقت بمكة سقمت فيه ، وفقدت الطبيب والدواء ،
فكنت أتعالج بها ، آخذ شربة من ماء زمزم ، وأقرؤها عليها مراراً ، ثم أشربه ،
فوجدت بذلك البرء التام ، ثم صرت أعتمد ذلك عند كثير من الأوجاع ، فأنتفع بها غاية
الإنتفاع .




فصل

وفي تأثير الرقى
بالفاتحة وغيرها في علاج ذوات السموم سر بديع ، فإن ذوات السموم أثرت بكيفيات
نفوسها الخبيثة ، كما تقدم ، وسلاحها
حماتها التي تلدغ بها ، وهي لا تلدغ حتى تغضب ، فإذا غضبت ، ثار فيها السم ،
فتقذفه بآلتها ، وقد جعل الله سبحانه لكل داء دواء ، ولكل شئ ضداً ، ونفس الراقي
تفعل في نفس المرقي ، فيقع بين نفسيهما فعل وانفعال ، كما يقع بين الداء ، والدواء
، فتقوى نفس الراقي وقوته بالرقية على ذلك الداء ، فيدفعه بإذن الله ، ومدار تأثير
الأدوية والأدواء على الفعل والإنفعال ، وهو كما يقع بين الداء والدواء الطبيعيين
، يقع بين الداء والدواء الروحانيين ، والروحاني ، والطبيعي ، وفي النفث والتفل
استعانة بتلك الرطوبة والهواء ، والنفس المباشر للرقية ، والذكر والدعاء ، فإن
الرقية تخرج من قلب الراقي وفمه ، فإذا صاحبها شئ من أجزاء باطنه من

descriptionالطب النبــــــــوي  الجزء الثالث    Emptyرد: الطب النبــــــــوي الجزء الثالث

more_horiz

فصل

في هديه صلى الله عليه وسلم في رقية
القرحة والجرح


أخرجا في الصحيحين
عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى الإنسان أو
كانت به قرحة أو جرح ، قال بأصبعه : هكذا ووضع سفيان سبابته بالأرض ، ثم رفعها ،
وقال : " بسم الله ، تربة أرضنا بريقة بعضنا ، يشفى سقيمنا بإذن ربنا " .


هذا من العلاج
الميسر النافع المركب ، وهي معالجة لطيفة يعالج بها القروح والجراحات الطرية ، لا
سيما عند عدم غيرها من الأدوية إذ كانت موجودة بكل أرض ، وقد علم أن طبيعة التراب
الخالص بادرة يابسة مجففة لرطوبات القروح والجراحات التي تمنع الطبيعة من جودة
فعلها ، وسرعة اندمالها ، لا سيما في البلاد الحارة ، وأصحاب الأمزجة الحارة ، فإن
القروح والجراحات يتبعها في أكثر الأمر سوء مزاج حار ، فيجتمع حرارة البلد والمزاج
والجراح ، وطبيعة التراب الخالص باردة يابسة أشد من برودة جميع الأدوية المفردة الباردة
، فتقابل برودة التراب حرارة المرض ، لا سيما إن كان التراب قد غسل وجفف ، ويتبعها
أيضاً كثرة الرطوبات الرديئة ، والسيلان ، والتراب مجفف لها ، مزيل لشدة يبسه
وتجفيفه للرطوبة الرديئة المانعة من برئها ، ويحصل به - مع ذلك - تعديل مزاج العضو
العليل ، ومتى اعتدل مزاج العضو قويت قواه المدبرة ، ودفعت عنه الألم بإذن الله .





ومعنى الحديث : أنه
يأخذ من ريق نفسه على أصبعه السبابة ، ثم يضعها على التراب ، فيعلق بها منه شئ ،
فيمسح به على الجرح ، ويقول هذا الكلام لما فيه من بركة ذكر اسم الله ، وتفويض
الأمر إليه ، والتوكل عليه ، فينضم أحد العلاجين إلى الآخر ، فيقوى التأثير .


وهل المراد بقوله : تربة
أرضنا جميع الأرض أو أرض المدينة خاصة ؟
فيه قولان ، ولا ريب أن من التربة ما تكون فيه خاصية ينفع بخاصيته من أدواء كثيرة
، ويشفي به أسقاماً رديئة . قال جالينوس : رأيت بالإسكندرية مطحولين ، ومستسقين ،
كثيراً يستعملون طين مصر ، ويطلون به على سوقهم ، وأفخاذهم ، وسواعدهم ، وظهورهم ،
وأضلاعهم ، فينتفعون به منفعة بينة . قال : وعلى هذا النحو فقد ينفع هذا الطلاء
للأورام العفنة والمترهلة الرخوة ، قال : وإني لأعرف قوماً ترهلت أبدانهم كلها من
كثرة استفراغ الدم من أسفل ، انتفعوا بهذا الطين نفعاً بيناً ، وقوماً آخرين شفوا
به أوجاعاً مزمنة كانت متمكنة في بعض الأعضاء تمكناً شديداً ، فبرأت وذهبت أصلاً .
وقال صاحب الكتاب المسيحي : قوة الطين المجلوب من كنوس - وهي جزيرة المصطكى - قوة
تجلو وتغسل ، وتنبت اللحم في القروح ، وتختم القروح . انتهى .


وإذا كان هذا في
هذه التربات ، فما الظن بأطيب تربة على وجه الأرض وأبركها ، وقد خالطت ريق رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، وقارنت رقيته باسم ربه ، وتفويض الأمر إليه ، وقد تقدم
أن قوى الرقية وتأثيرها بحسب الراقي ، وانفعال المرقي عن رقيته ، وهذا أمر لا
ينكره طبيب فاضل عاقل مسلم ، فإن انتفى أحد الأوصاف ، فليقل ما شاء .




فصل

في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج
الوجع بالرقية


روى مسلم في صحيحه
عن عثمان بن أبي العاص ، أنه شكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعاً
يجده في جسده منذ أسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ضع يدك على الذي
تألم من جسدك وقل : بسم الله ثلاثاً ، وقل سبع مرات : أعوذ بعزة الله وقدرته من شر
ما أجد وأحاذر " ففي هذا العلاج من ذكر الله ، والتفويض إليه ، والإستعاذة
بعزته وقدرته من شر الألم ما يذهب به ، وتكراره ليكون أنجع وأبلغ ، كتكرار الدواء
لأخراج المادة ، وفي السبع خاصية لا توجد في غيرها ، وفي الصحيحين
: أن النبي صلى الله عليه وسلم ، كان يعوذ بعض أهله ، يمسح بيده اليمنى ،
ويقول : " اللهم رب الناس ، أذهب الباس ، واشف أنت الشافي ، لا شفاء إلا
شفاؤك ، شفاء لا يغادر سقماً " . ففي هذه الرقية توسل إلى الله بكمال ربوبيته
، وكمال رحمته بالشفاء ، وأنه وحده الشافى ، وأنه لا شفاء إلا شفاؤه ، فتضمنت
التوسل إليه بتوحيده وإحسانه وربوبيته
.




فصل

في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج
حر المصيبة وحزنها


قال تعالى : " وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا
إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون "
[ البقرة : 155 ] . وفي
المسند عنه صلى الله عليه
وسلم أنه قال : " ما من أحد تصيبه مصيبة
فيقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً
منها ، إلا أجاره الله في مصيبته ، وأخلف له خيراً منها
" .


وهذه الكلمة من
أبلغ علاج المصاب ، وأنفعه له في عاجلته وآجلته ، فإنها تتضمن أصلين عظيمين إذا
تحقق العبد بمعرفتهما تسلى عن مصيبته
.





أحدهما : أن العبد
وأهله وماله ملك لله عز وجل حقيقة ، وقد جعله عند العبد عارية ، فإذا أخذه منه ،
فهو كالمعير يأخذ متاعه من المستعير ، وأيضاً فإنه محفوف بعدمين : عدم قبله ، وعدم
بعده ، وملك العبد له متعة معارة في زمن يسير ، وأيضاً فإنه ليس الذي أوجده عن
عدمه ، حتى يكون ملكه حقيقة ، ولا هو الذي يحفظه من الآفات بعد وجوده ، ولا يبقي
عليه وجوده ، فليس له فيه تأثير ، ولا ملك حقيقي ، وأيضاً فإنه متصرف فيه بالأمر
تصرف العبد المأمور المنهي ، لا تصرف الملاك ، ولهذا لا يباح له من التصرفات فيه
إلا ما وافق أمر مالكه الحقيقي .





والثاني : أن مصير
العبد ومرجعه إلى الله مولاه الحق ، ولا بد أن يخلف الدنيا وراء ظهره ، ويجيء ربه
فرداً كما خلقه أول مرة بلا أهل ولا مال ولا عشيرة ، ولكن بالحسنات والسيئات ،
فإذا كانت هذه بداية العبد وما خوله ونهايته ، فكيف يفرح بموجود ، أو يأسى على
مفقود ، ففكره في مبدئه ومعاده من أعظم علاج هذا الداء ، ومن علاجه أن يعلم علم
اليقين أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه . قال تعالى : "
ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على
الله يسير * لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل
مختال فخور " [ الحديد : 22
] .





ومن علاجه أن ينظر
إلى ما أصيب به ، فيجد ربه قد أبقى عليه مثله ، أو أفضل منه ، وادخر له - إن صبر
ورضي - ما هو أعظم من فوات تلك المصيبة بأضعاف مضاعفة ، وأنه لو شاء لجعلها أعظم
مما هي .


ومن علاجه أن يطفئ
نار مصيبته ببرد التأسي بأهل المصائب ، وليعلم أنه في كل واد بنو سعد ، ولينظر
يمنة ، فهل يرى إلا محنة ؟ ثم ليعطف يسرة ، فهل يرى إلا حسرة ؟ ، وأنه لو فتش
العالم لم ير فيهم إلا مبتلى ، إما بفوات محبوب ، أو حصول مكروه ، وأن شرور الدنيا
أحلام نوم أو كظل زائل ، إن أضحكت قليلاً ، أبكت كثيراً ، وإن سرت يوماً ، ساءت
دهراً ، وإن متعت قليلاً ، منعت طويلاً ، وما ملأت داراً خيرة إلا ملأتها عبرة ،
ولا سرته بيوم سرور إلا خبأت له يوم شرور ، قال ابن مسعود - رضي الله عنه - : لكل
فرحة ترحة ، وما ملئ بيت فرحاً إلا ملئ ترحاً . وقال ابن سيرين :
ما كان ضحك قط إلا كان من بعده بكاء
.


وقالت هند بنت
النعمان : لقد رأيتنا ونحن من أعز الناس وأشدهم ملكاً ، ثم لم تغب الشمس حتى
رأيتنا ونحن أقل الناس ، وأنه حق على الله ألا يملأ داراً خيرة إلا ملأها عبرة .





وسألها رجل أن تحدثه
عن أمرها ، فقالت : أصبحنا ذا صباح ، وما في العرب أحد
إلا يرجونا ، ثم أمسينا وما في العرب أحد إلا يرحمنا
.


وبكت
أخ
تها
حرقة بنت النعمان يوماً ، وهي في عزها ، فقيل لها : ما يبكيك ، لعل أحداً آذاك ؟
قالت : لا ، ولكن رأيت غضارة في أهلي ، وقلما امتلأت دار سروراً إلا امتلأت حزناً .


قال إسحاق بن طلحة :
دخلت عليها يوماً ، فقلت لها : كيف رأيت عبرات الملوك ؟ فقالت : ما نحن فيه اليوم
خير مما كنا فيه الأمس ، إنا نجد في الكتب
أنه ليس من أهل بيت يعيشون في خيرة إلا سيعقبون بعدها عبرة ، وأن الدهر لم يظهر
لقوم بيوم يحبونه إلا بطن لهم بيوم يكرهونه ، ثم قالت
:


فبينا نسوس الناس
والأمر أمرنا إذا نحـن فيهم سوقة
نتنصف


فـــأف لدنيـــا لا
يـدوم نـعـيـمهـا تقلب تـارات
بنـــا وتصـــرف


ومن علاجها أن يعلم
أن الجزع لا يردها ، بل يضاعفها ، وهو في الحقيقة من
تزايد المرض .


ومن علاجها أن يعلم
أن فوت ثواب الصبر والتسليم ، وهو الصلاة والرحمة والهداية التي ضمنها الله على
الصبر ، والإسترجاع أعظم من المصيبة في الحقيقة
.


ومن علاجها أن يعلم
أن الجزع يشمت عدوه ، ويسوء صديقه ، ويغضب ربه ، ويسر شيطانه ، ويحبط أجره ، ويضعف
نفسه ، وإذا صبر واحتسب أنضى شيطانه ، ورده خاسئاً ، وأرضى ربه ، وسر صديقه ، وساء
عدوه ، وحمل عن إخوانه ، وعزاهم هو قبل أن يعزوه ، فهذا هو الثبات والكمال الأعظم
، لا لطم الخدود ، وشق الجيوب ، والدعاء بالويل والثبور ، والسخط على المقدور .


ومن علاجها : أن يعلم أن ما يعقبه الصبر والإحتساب من اللذة والمسرة
أضعاف ما كان يحصل له ببقاء ما أصيب به لو بقي عليه ، ويكفيه من ذلك بيت الحمد
الذي يبنى له في الجنة على حمده لربه واسترجاعه ، فلينظر : أي المصيبتين أعظم ؟ : مصيبة
العاجلة ، أو مصيبة فوات بيت الحمد في جنة الخلد . وفي الترمذي مرفوعاً : " يود
ناس يوم القيامة أن جلودهم كانت تقرض بالمقاريض في الدنيا لما يرون من ثواب أهل
البلاء " .





وقال بعض السلف : لو
لا مصائب الدنيا لوردنا القيام مفاليس
.


ومن علاجها : أن
يروح قلبه بروح رجاء الخلف من الله ، فإنه من كل شئ عوض إلا الله ، فما منه عوض
كما قيل :


من كل شئ إذا ضيعته
عوض وما من الله إن ضيعته عوض


ومن علاجها : أن
يعلم أن حظه من المصيبة ما تحدثه له ، فمن رضي ، فله الرضى ، ومن سخط ، فله السخط
، فحظك منها ما أحدثته لك ، فاختر خير الحظوظ أو شرها ، فإن أحدثت له سخطاً وكفراً
، كتب في ديوان الهالكين ، وإن أحدثت له جزعاً وتفريطاً في ترك واجب ، أو فعل محرم
، كتب في ديوان المفرطين ، وإن أحدثت له شكاية ، وعدم صبر ، كتب في ديوان
المغبونين ، وإن أحدثت له اعتراضاً على الله ، وقدحاً في حكمته ، فقد قرع باب
الزندقة أو ولجه ، وإن أحدثت له صبراً وثباتاً لله ، كتب في ديوان الصابرين ، وإن
أحدثت له الرضى عن الله ، كتب في ديوان الراضين ، وإن أحدثت له الحمد والشكر ، كتب
في ديوان الشاكرين ، وكان تحت لواء الحمد مع الحمادين ، وإن أحدثت له محبة
واشتياقاً إلى لقاء ربه ، كتب في ديوان المحبين المخلصين
.


وفي مسند الإمام أحمد والترمذي ، من حديث محمود بن لبيد يرفعه :
" إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم ، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط "
. زاد أحمد : " ومن جزع فله الجزع
" .





ومن علاجها : أن
يعلم أنه وإن بلغ في الجزع غايته ، فآخر أمره إلى صبر الإضطرار ، وهو غير محمود ولا
مثاب ، قال بعض الحكماء : العاقل يفعل في أول يوم من المصيبة ما يفعله الجاهل بعد
أيام ، ومن لم يصبر صبر الكرام ، سلا سلو البهائم . وفي الصحيح
مرفوعاً : " الصبر عند الصدمة الأولى " . وقال الأشعث بن قيس : إنك
إن صبرت إيماناً واحتساباً ، وإلا سلوت سلو البهائم
.


ومن علاجها : أن
يعلم أن أنفع الأدوية له موافقة ربه وإلهه فيما أحبه ورضيه له ، وأن خاصية المحبة
وسرها موافقة المحبوب ، فمن ادعى محبة محبوب ، ثم سخط ما يحبه ، وأحب ما يسخطه ،
فقد شهد على نفسه بكذبه ، وتمقت إلى محبوبه
.


وقال أبو الدرداء :
أن الله إذا قضى قضاء ، أحب أن يرضى به ، وكان عمران بن حصين يقول في علته : أحبه
إلي أحبه إليه ، وكذلك قال أبو العالية
.





وهذا دواء وعلاج لا
يعمل إلا مع المحبين ، ولا يمكن كل أحد أن يتعالج به
.


ومن علاجها : أن
يوازن بين أعظم اللذتين والمتعتين ، وأدومهما : لذة تمتعه بما أصيب به ، ولذة
تمتعه بثواب الله له ، فإن ظهر له الرجحان ، فآثر الراجح ، فليحمد الله على توفيقه
، وإن آثر المرجوح من كل وجه ، فليعلم أن مصيبته في عقله وقلبه ودينه أعظم من
مصيبته التي أصيب بها في دنياه .


ومن علاجها أن يعلم
أن الذي ابتلاه بها أحكم الحاكمين ، وأرحم الراحمين ، وأنه سبحانه لم يرسل إليه
البلاء ليهلكه به ، ولا ليعذبه به ، ولا ليجتاحه ، وإنما افتقده به ليمتحن صبره
ورضاه عنه وإيمانه ، وليسمع تضرعه وابتهاله ، وليراه طريحاً ببابه ، لائذاً بجنابه
، مكسور القلب بين يديه ، رافعاً قصص الشكوى إليه
.


قال الشيخ عبد
القادر : يا بني ! إن المصيبة ما جاءت لتهلكك ، وإنما
جاءت لتمتحن صبرك وإيمانك ، يا بني ! القدر سبع ، والسبع
لا يأكل الميتة .





والمقصود : أن
المصيبة كير العبد الذي يسبك به حاصله ، فإما أن يخرج ذهباً أحمر ، وإما أن يخرج
خبثاً كله ، كما قيل :


سبكناه ونحسبه
لجيناً فأبدى الكير عن خبث الحديد


فإن لم ينفعه هذا
الكير في الدنيا ، فبين يديه الكير الأعظم ، فإذا علم العبد أن إدخاله كير الدنيا
ومسبكها خير له من ذلك الكير والمسبك ، وأنه لا بد من أحد الكيرين ، فليعلم قدر
نعمة الله عليه في الكير العاجل .


ومن علاجها : أن
يعلم أنه لو لا محن الدنيا ومصائبها ، لأصاب العبد - من أدواء الكبر والعجب
والفرعنة وقسوة القلب - ما هو سبب هلاكه عاجلاً وآجلاً ، فمن رحمة أرحم الراحمين
أن يتفقده في الأحيان بأنواع من أدوية المصائب ، تكون حمية له من هذه الأدواء ،
وحفظاً لصحة عبوديته ، واستفراغاً للمواد الفاسدة الرديئة المهلكة منه ، فسبحان من
يرحم ببلائه ، ويبتلي بنعمائه كما قيل
:


قد ينعم بالبلوى وإن عظمت ويبتلي
الله بعض القوم بالنعم


فلو لا أنه - سبحانه
- يداوي عباده بأدوية المحن والإبتلاء ، لطغوا ، وبغوا ، وعتوا ، والله - سبحانه -
إذا أراد بعبد خيراً سقاه دواء من الإبتلاء والإمتحان على قدر حاله يستفرغ به من
الأدواء المهلكة ، حتى إذا هذبه ونقاه وصفاه ، أهله لأشرف مراتب الدنيا ، وهي
عبوديته ، وأرفع ثواب الآخرة ، وهو رؤيته وقربه
.





ومن علاجها : أن
يعلم أن مرارة الدنيا هي بعينها حلاوة الآخرة ، يقلبها الله سبحانه كذلك ، وحلاوة
الدنيا بعينها مرارة الآخرة ، ولأن ينتقل من مرارة منقطعة إلى حلاوة دائمة خير له
من عكس ذلك ، فإن خفي عليك هذا ، فانظر إلى قول الصادق المصدوق : " حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات " .


وفي هذا المقام
تفاوتت عقول الخلائق ، وظهرت حقائق الرجال ، فأكثرهم آثر الحلاوة المنقطعة على
الحلاوة الدائمة التي لا تزول ، ولم يحتمل مرارة ساعة لحلاوة الأبد ، ولا ذل ساعة
لعز الأبد ، ولا محنة ساعة لعافية الأبد ، فإن الحاضر عنده شهادة ، والمنتظر غيب ،
والإيمان ضعيف ، وسلطان الشهوة حاكم ، فتولد من ذلك إيثار العاجلة ، ورفض الآخرة ،
وهذا حال النظر الواقع على ظواهر الأمور ، وأوائلها ومبادئها ، وأما النظر الثاقب
الذي يخرق حجب العاجلة ، ويجاوزه إلى العواقب والغايات ، فله شأن آخر .


فادع نفسك إلى ما
أعد الله لأوليائه وأهل طاعته من النعيم المقيم ، والسعادة الأبدية ، والفوز
الأكبر ، وما أعد لأهل البطالة والإضاعة من الخزي والعقاب والحسرات الدائمة ، ثم
اختر أي القسمين أليق بك ، وكل يعمل على شاكلته ، وكل أحد يصبو إلى ما يناسبه ،
وما هو الأولى به ، ولا تستطل هذا العلاج ، فشدة الحاجة إليه من الطبيب والعليل
دعت إلى بسطه ، وبالله التوفيق .




فصل

في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج
الكرب والهم والغم والحزن


أخرجا في الصحيحين
من حديث ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب :
" لا إله إلا الله العظيم الحليم ، لا إله إلا الله رب العرش العظيم ، لا إله
إلا الله رب السماوات السبع ، ورب الأرض رب العرش الكريم
" .


وفي جامع الترمذي
عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان إذا حزبه أمر ، قال :
" يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث
" .


وفيه
:
عن
أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، كان إذا أهمه الأمر ، رفع طرفه إلى
السماء فقال : " سبحان الله العظيم " ، وإذا اجتهد في الدعاء قال :
" يا حي يا قيوم "
.





وفي سنن أبي داود
عن أبي بكرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " دعوات المكروب
: اللهم رحمتك أرجو ، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين ، وأصلح لي شأني كله ، لا إله
إلا أنت " .


وفيها أيضاً عن
أسماء بنت عميس قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أعلمك
كلمات تقوليهن عند الكرب ، أو في الكرب : الله ربى لا أشرك به شيئاً " . وفي
رواية أنها تقال سبع مرات .


وفي مسند الإمام أحمد عن ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : " ما أصاب عبداً هم ولا حزن فقال : اللهم إني عبدك ، ابن عبدك ، ابن
أمتك ناصيتي بيدك ، ماض في حكمك ، عدل في قضاؤك ، أسألك بكل اسم هو لك سميت به
نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحداً من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب
عندك : أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ، ونور صدري وجلاء حزني ، وذهاب همي ، إلا
أذهب الله حزنه وهمه ، وأبدله مكانه فرحاً
" .





وفي الترمذي عن سعد
بن أبي وقاص ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " دعوة ذي النون إذ
دعا ربه وهو في بطن الحوت : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، لم يدع
بها رجل مسلم في شئ قط إلا استجيب له
" .


وفي رواية " إني
لأعلم كلمة لا يقولها مكروب إلا فرج الله عنه : كلمة أخي
يونس " .


وفي سنن أبي داود
عن أبي سعيد الخدري ، قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم
المسجد ، فإذا هو برجل من الأنصار يقال له : أبو أمامة ، فقال : " يا أبا
أمامة مالي أراك في المسجد في غير وقت الصلاة ؟
فقال : هموم لزمتني ، وديون يا رسول الله ، فقال : ألا أعلمك كلاماً إذا أنت قلته أذهب الله عز
وجل همك وقضى دينك ؟ قال : قلت : بلى يا
رسول الله ، قال : قل إذا أصبحت وإذا
أمسيت : اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ، وأعوذ بك من العجز والكسل ، وأعوذ بك
من الجبن والبخل ، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال " ، قال : ففعلت ذلك ،
فأذهب الله عز وجل همى ، وقضى عني ديني
.


وفي سنن أبي داود
عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لزم
الإستغفار ، جعل الله له من كل هم فرجاً ، ومن كل ضيق مخرجاً ، ورزقه من حيث لا
يحتسب " .


وفي المسند أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر ، فزع إلى الصلاة ، وقد قال تعالى :
" واستعينوا بالصبر والصلاة " [ البقرة : 45
] .





وفي السنن :
"عليكم بالجهاد ، فإنه باب من أبواب الجنة ، يدفع الله به عن النفوس الهم
والغم " .


ويذكر عن ابن عباس
، عن النبي صلى الله علي وسلم : " من كثرت همومه وغمومه ، فليكثر من قول : لا
حول ولا قوة إلا بالله
".


وثبت في الصحيحين
"أنها كنز من كنوز الجنة"
.


وفي الترمذي :
" أنها باب من أبواب الجنة "
.


هذه الأدوية تتضمن
خمسة عشر نوعاً من الدواء ، فإن لم تقو على إذهاب داء الهم والغم والحزن ، فهو داء
قد استحكم ، وتمكنت أسبابه ، ويحتاج إلى استفراغ كلي
.


الأول : توحيد الربوبية .

الثاني
:
توحيد
الإلهية .


الثالث : التوحيد
العلمى الإعتقادي .


الرابع
:
تنزيه
الرب تعالى عن أن يظلم عبده ، أو يأخذه بلا سبب من العبد يوجب ذلك .


الخامس
:
اعتراف
العبد بأنه هو الظالم .


السادس
:
التوسل
إلى الرب تعالى بأحب الأشياء ، وهو أسماؤه وصفاته ، ومن أجمعها لمعاني الأسماء
والصفات : الحي القيوم .


السابع : الإستعانة
به وحده .


الثامن
:
إقرار
العبد له بالرجاء .


التاسع : تحقيق
التوكل عليه ، والتفويض إليه ، والإعتراف له بأن ناصيته في يده ، يصرفه كيف يشاء ،
وأنه ماض فيه حكمه ، عدل فيه قضاؤه
.


العاشر : أن يرتع
قلبه في رياض القرآن ، ويجعله لقلبه كالربيع للحيوان ، وأن يستضيء به في ظلمات
الشبهات واللهوات ، وأن يتسلى به عن كل فائت ، ويتعزى به عن كل مصيبة ، ويستشفي به
من أدواء صدره ، فيكون جلاء حزنه ، وشفاء همه وغمه
.


الحادي عشر : الإستغفار .

الثاني عشر : التوبة
.


الثالث عشر : الجهاد
.


الرابع عشر : الصلاة
.


الخامس عشر : البراءة من الحول والقوة وتفويضهما إلى من هما بيده .



فصل

في بيان جهة تأثير
هذه الأدوية في هذه الأمراض


خلق الله - سبحانه -
ابن آدم وأعضاءه ، وجعل لكل عضو منها كمالاً إذا فقده أحس بالألم ، وجعل لملكها
وهو القلب كمالاً ، إذا فقده ، حضرته أسقامه وآلامه من الهموم والغموم والأحزان .


فإذا فقدت العين ما
خلقت له من قوة الإبصار ، وفقدت الأذن ما خلقت له من قوة
السمع ، واللسان ما خلق له من قوة الكلام ، فقدت كمالها
.


والقلب : خلق
لمعرفة فاطره ومحبته وتوحيده والسرور به ، والإبتهاج بحبه ، والرضى عنه ، والتوكل
عليه ، والحب فيه ، والبغض فيه ، والموالاة فيه ، والمعاداة فيه ، ودوام ذكره ،
وأن يكون أحب إليه من كل ما سواه ، وارجي عنده من كل ما سواه ، وأجل في قلبه من كل
ما سواه ، ولا نعيم له ولا سرور ولا لذة ، بل ولا حياة إلا بذلك ، وهذا له بمنزلة
الغذاء والصحة والحياة ، فإذا فقد غذاءه وصحته وحياته ، فالهموم والغموم والأحزان
مسارعة من كل صوب إليه ، ورهن مقيم عليه
.





ومن أعظم أدوائه : الشرك
والذنوب والغفلة والإستهانة بمحابه ومراضيه ، وترك التفويض إليه ، وقلة الإعتماد
عليه ، والركون إلى ما سواه ، والسخط بمقدوره ، والشك في وعده ووعيده .


وإذا تأملت أمراض
القلب ، وجدت هذه الأمور وأمثالها هي أسبابها لا سبب لها سواها ، فدواؤه الذي لا
دواء له سواه ما تضمنته هذه العلاجات النبوية من الأمور المضادة لهذه الأدواء ،
فإن المرض يزال بالضد ، والصحة تحفظ بالمثل ، فصحته تحفظ بهذه الأمور النبوية ،
وأمراضه بأضدادها .





فالتوحيد : يفتح
للعبد باب الخير والسرور واللذة والفرح والإبتهاج ، والتوبة استفراغ للأخلاط
والمواد الفاسدة التي هي سبب أسقامه ، وحمية له من التخليط ، فهي تغلق عنه باب
الشرور ، فيفتح له باب السعادة والخير بالتوحيد ، ويغلق باب الشرور بالتوبة والإستغفار .


قال بعض المتقدمين
من أئمة الطب : من أراد عافية الجسم ، فليقلل من الطعام
والشراب ، ومن أراد عافية القلب ، فليترك الآثام . وقال ثابت بن قرة : راحة الجسم في قلة الطعام ، وراحة الروح في قلة الآثام ،
وراحة اللسان في قلة الكلام .


والذنوب للقلب ، بمنزلة السموم ، إن لم تهلكه أضعفته ، ولا بد ، وإذا
ضعفت قوته ، لم يقدر على مقاومة الأمراض ، قال طبيب القلوب عبد الله بن المبارك .


رأيت الذنوب تميت
القلوب وقد يورث
الذل إدمانها


وترك الذنوب حياة
القلوب وخيــر لنفسك عصيانها


فالهوى أكبر
أدوائها ، ومخالفته أعظم أدويتها ، والنفس في الأصل خلقت جاهلة ظالمة ، فهي لجهلها
تظن شفاءها في اتباع هواها ، وإنما فيه تلفها وعطبها ، ولظلمها لا تقبل من الطبيب
الناصح ، بل تضع الداء موضع الدواء فتعتمده ، وتضع الدواء موضع الداء فتجتنبه ،
فيتولد من بين إيثارها للداء ، واجتنابها للدواء أنواع من الأسقام والعلل التي
تعيي الأطباء ، ويتعذر معها الشفاء . والمصيبة العظمى ، أنها تركب ذلك على القدر ،
فتبرئ نفسها ، وتلوم ربها بلسان الحال دائماً ، ويقوى اللوم حتى يصرح به اللسان .


وإذا وصل العليل
إلى هذه الحال ، فلا يطمع في برئه إلا أن تتداركه رحمة من ربه ، فيحييه حياة جديدة
، ويرزقه طريقة حميدة ، فلهذا كان حديث ابن عباس في دعاء الكرب مشتملاً على توحيد
الإلهية والربوبية ، ووصف الرب سبحانه بالعظمة والحلم ، وهاتان الصفتان مستلزمتان
لكمال القدرة والرحمة ، والإحسان والتجاوز ، ووصفه بكمال ربوبيته للعالم العلوي
والسفلي ، والعرش الذي هو سقف المخلوقات وأعظمها ، والربوبية التامة تستلزم توحيده
، وأنه الذي لا تنبغي العبادة والحب والخوف والرجاء والإجلال والطاعة إلا له . وعظمته
المطلقة تستلزم إثبات كل كمال له ، وسلب كل نقص وتمثيل
عنه . وحلمه يستلزم كمال رحمته وإحسانه إلى خلقه
.





فعلم القلب ومعرفته
بذلك توجب محبته وإجلاله وتوحيده ، فيحصل له من الإبتهاج واللذة والسرور ما يدفع
عنه ألم الكرب والهم والغم ، وأنت تجد المريض إذا ورد عليه ما يسره ويفرحه ، ويقوي
نفسه ، كيف تقوى الطبيعة على دفع المرض الحسي ، فحصول هذا الشفاء للقلب أولى وأحرى .





ثم إذا قابلت بين
ضيق الكرب وسعة هذه الأوصاف التي تضمنها دعاء الكرب ،
وجدته في غاية المناسبة لتفريج هذا الضيق، وخروج القلب منه إلى سعة البهجة والسرور
، وهذه الأمور إنما يصدق بها من أشرقت فيه أنوارها ، وباشر قلبه حقائقها .


وفي تأثير قوله : يا حي يا قيوم ، برحمتك أستغيث في دفع هذا الداء مناسبة بديعة ، فإن صفة
الحياة متضمنة لجميع صفات الكمال ، مستلزمة لها ، وصفة القيومية متضمنة لجميع صفات
الأفعال ، ولهذا كان اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب ، وإذا سئل به أعطى : هو
اسم الحي القيوم ، والحياة التامة تضاد جميع الأسقام والآلام ، ولهذا لما كملت
حياة أهل الجنة لم يلحقهم هم ولا غم ولا حزن ولا شئ من الآفات . ونقصان الحياة تضر
بالأفعال ، وتنافي القيومة ، فكمال القيومية لكمال الحياة ، فالحي المطلق التام
الحياة لا تفوته صفة الكمال البتة ، والقيوم لا يتعذر عليه فعل ممكن البتة ،
فالتوسل بصفة الحياة القيومية له تأثير في إزالة ما يضاد الحياة ، ويضر بالأفعال .


ونظير هذا توسل
النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه بربوبيته لجبريل وميكائيل وإسرافيل أن يهديه لما
اختلف فيه من الحق بإذنه، فإن حياة القلب بالهداية ، وقد وكل الله سبحانه هؤلاء
الأملاك الثلاثة بالحياة ، فجبريل موكل بالوحي الذي هو حياة القلوب ، وميكائيل
بالقطر الذي هو حياة الأبدان والحيوان ، وإسرافيل بالنفخ في الصور الذي هو سبب
حياة العالم وعود الأرواح إلى أجسادها ، فالتوسل إليه سبحانه بربوبية هذه الأرواح
العظيمة الموكلة بالحياة ، له تأثير في حصول المطلوب
.





والمقصود : أن لاسم
الحي القيوم تأثيراً خاصاً في إجابة الدعوات ، وكشف الكربات ، وفي السنن
و صحيح أبي حاتم مرفوعاً : " اسم الله الأعظم في هاتين
الآيتين " وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم " [ البقرة : 163
] ، وفاتحة آل عمران " الم * الله لا إله إلا هو الحي القيوم " " ،
قال الترمذي : حديث صحيح .


وفي السنن
و صحيح ابن حبان أيضاً : من حديث أنس أن رجلاً دعا ، فقال : اللهم
إني أسألك بأن لك الحمد ، لا إله إلا أنت المنان ، بديع السماوات والأرض ، يا ذا
الجلال والإكرام ، يا حي يا قيوم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لقد
دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب ، وإذا سئل به أعطى " .





ولهذا كان النبي
صلى الله عليه وسلم إذا اجتهد في الدعاء قال : " يا
حي يا قيوم " .


وفي قوله : " اللهم
رحمتك أرجو ، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين ، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت "
من تحقيق الرجاء لمن الخير كله بيديه والإعتماد عليه وحده ، وتفويض الأمر إليه ،
والتضرع إليه ، أن يتولى إصلاح شأنه ، ولا يكله إلى نفسه ، والتوسل إليه بتوحيده
مما له تأثير قوي في دفع هذا الداء ، وكذلك قوله : " الله ربي لا أشرك به
شيئاً " .


وأما حديث ابن
مسعود : " اللهم إني عبدك ابن عبدك " ، ففيه من المعارف الإلهية ،
وأسرار العبودية ما لا يتسع له كتاب ، فإنه يتضمن الإعتراف بعبوديته وعبودية آبائه
وأمهاته ، وأن ناصيته بيده يصرفها كيف يشاء ، فلا يملك العبد دونه لنفسه نفعاً ولا
ضراً، ولا موتاً ولا حياة ، ولا نشوراً ، لأن من ناصيته بيد غيره ، فليس إليه شئ
من أمره ، بل هو عان في قبضته ، ذليل تحت سلطان قهره
.


وقوله
:

" ماض في حكمك عدل في قضائك " متضمن لأصلين عظيمين عليهما مدار التوحيد .





أحدهما : إثبات
القدر ، وأن أحكام الرب تعالى نافذة في عبده ماضية فيه ، لا انفكاك له عنها ، ولا
حيلة له في دفعها .


والثاني : أنه - سبحانه - عدل في هذه
الأحكام ، غير ظالم لعبده ، بل لا يخرج فيها عن موجب العدل والإحسان ، فإن الظلم
سببه حاجة الظالم ، أو جهله ، أو سفهه ، فيستحيل صدوره ممن هو بكل شئ عليم ، ومن
هو غني عن كل شئ ، وكل شئ فقير إليه ، ومن هو أحكم الحاكمين ، فلا تخرج ذرة من
مقدوراته عن حكمته وحمده ، كما لم تخرج عن
قدرته ومشيئته ، فحكمته نافذة حيث نفذت مشيئته وقدرته ، ولهذا قال نبي الله هود
صلى الله على نبينا وعليه وسلم ، وقد خوفه قومه بآلهتهم : " إني أشهد الله
واشهدوا أني بريء مما تشركون * من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون * إني توكلت
على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم "
[هود : 54 - 57 ] ، أي: مع كونه سبحانه آخذاً بنواصي خلقه وتصريفهم كما يشاء ، فهو
على صراط مستقيم لا يتصرف فيهم إلا بالعدل والحكمة ، والإحسان والرحمة . فقوله : ماض في حكمك
، مطابق لقوله : ( ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها ) ، وقوله : عدل في قضاؤك
مطابق لقوله : إن ربي على صراط
مستقيم ، ثم توسل إلى ربه بأسمائه التي
سمى بها نفسه ما علم العباد منها وما لم يعلموا . ومنها: ما استأثره في علم الغيب
عنده ، فلم يطلع عليه ملكاً مقرباً ، ولا نبياً مرسلاً ، وهذه الوسيلة أعظم
الوسائل ، وأحبها إلى الله ، وأقربها تحصيلاً للمطلوب
.





ثم سأله أن يجعل
القرآن لقلبه كالربيع الذي يرتع فيه الحيوان ، وكذلك القرآن ربيع القلوب ، وأن
يجعله شفاء همه وغمه ، فيكون له بمنزلة الدواء الذي يستأصل الداء ، ويعيد البدن
إلى صحته واعتداله ، وأن يجعله لحزنه كالجلاء الذي يجلو الطبوع والأصدية ، وغيرها
، فأحرى بهذا العلاج إذا صدق العليل في استعماله أن يزيل عنه داءه ، ويعقبه شفاء
تاماً ، وصحة وعافية ، والله الموفق .


وأما دعوة ذي النون
: فإن فيها من كمال التوحيد والتنزيه للرب تعالى ، واعتراف العبد بظلمه وذنبه ما
هو من أبلغ أدوية الكرب والهم والغم ، وأبلغ الوسائل إلى الله - سبحانه - في قضاء
الحوائج ، فإن التوحيد والتنزيه يتضمنان إثبات كل كمال الله ، وسلب كل نقص وعيب
وتمثيل عنه . والإعتراف بالظلم يتضمن إيمان العبد بالشرع والثواب والعقاب ، ويوجب
انكساره ورجوعه إلى الله ، واستقالته عثرته ، والإعتراف بعبوديته، وافتقاره إلى
ربه ، فها هنا أربعة أمور قد وقع التوسل بها : التوحيد ، والتنزيه ، والعبودية
والإعتراف .


وأما حديث أبي أمامة
: " اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن " ، فقد تضمن الإستعاذة من ثمانية
أشياء ، كل اثنين منها قرينان مزدوجان ، فالهم والحزن أخوان ، والعجز والكسل أخوان
، والجبن والبخل أخوان ، وضلع الدين وغلبة الرجال أخوان ، فإن المكروه المؤلم إذا
ورد على القلب ، فإما أن يكون سببه أمراً ماضياً ، فيوجب له الحزن ، وإن كان أمراً
متوقعاً في المستقبل ، أوجب الهم ، وتخلف العبد عن مصالحه وتفويتها عليه ، إما أن
يكون من عدم القدرة وهو العجز ، أو من عدم الإرادة وهو الكسل ، وحبس خيره ونفعه عن
نفسه وعن بني جنسه ، إما أن يكون منع نفعه ببدنه ، فهو الجبن ، أو بماله ، فهو
البخل ، وقهر الناس له إما بحق ، فهو ضلع الدين ، أو بباطل فهو غلبة الرجال ، فقد
تضمن الحديث الإستعاذة من كل شر ، وأما تأثير الإستغفار في دفع الهم والغم والضيق
، فلما اشترك في العلم به أهل الملل وعقلاء كل أمة أن المعاصي والفساد توجب الهم
والغم ، والخوف والحزن ، وضيق الصدر ، وأمراض القلب ، حتى إن أهلها إذا قضوا منها
أوطارهم ، وسئمتها نفوسهم ، ارتكبوها دفعاً لما يجدونه في صدورهم من الضيق والهم
والغم ، كما قال شيخ الفسوق :


وكأس شربت على
لذة وأخرى تداويت منها بها


وإذا كان هذا تأثير
الذنوب والآثام في القلوب ، فلا دواء لها إلا التوبة والإستغفار .





وأما الصلاة ،
فشأنها في تفريح القلب وتقويته ، وشرحه وابتهاجه ولذته أكبر شأن ، وفيها من اتصال
القلب والروح بالله ، وقربه والتنعم بذكره ، والإبتهاج بمناجاته ، والوقوف بين
يديه ، واستعمال جميع البدن وقواه وآلاته في عبوديته ، وإعطاء كل عضو حظه منها ،
واشتغاله عن التعلق بالخلق وملابستهم ومحاوراتهم ، وانجذاب قوى قلبه وجوارحه إلى
ربه وفاطره ، وراحته من عدوه حالة الصلاة ما صارت به من أكبر الأدوية والمفرحات
والأغذية التي لا تلائم إلا القلوب الصحيحة . وأما القلوب العليلة
، فهي كالأبدان لا تناسبها إلا الأغذية الفاضلة
.





فالصلاة من أكبر العون على تحصيل مصالح
الدنيا والآخرة ، ودفع مفاسد الدنيا والآخرة ، وهي منهاة عن الإثم ، ودافعة لأدواء
القلوب ، ومطردة للداء عن الجسد ، ومنورة للقلب ، ومبيضة للوجه ، ومنشطة للجوارح
والنفس ، وجالبة للرزق ، ودافعة للظلم ، ومنزلة للرحمة ، وكاشفة للغمة ، ونافعة من
كثير من أوجاع البطن . وقد روى ابن ماجه في
سننه من حديث مجاهد ، عن أبي هريرة
قال : رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا نائم أشكو من وجع بطني ، فقال لي :
" يا أبا هريرة أشكمت درد ؟ قال : قلت
: نعم يا رسول الله ، قال : قم فصل ، فإن
في الصلاة شفاء " . وقد روي هذا الحديث موقوفاً على أبي هريرة
، وأنه هو الذي قال ذلك لمجاهد ، وهو أشبه . ومعنى هذه اللفظة بالفارسي : أيوجعك بطنك ؟
.


فإن لم ينشرح صدر
زنديق الأطباء بهذا العلاج ، فيخاطب بصناعة الطب ، ويقال له : الصلاة رياضة النفس
والبدن جميعاً ، إذ كانت تشتمل على حركات وأوضاع مختلفة من الإنتصاب ، والركوع ،
والسجود ، والتورك ، والإنتقالات وغيرها من الأوضاع التي يتحرك معها أكثر المفاصل
، وينغمز معها أكثر الأعضاء الباطنة ، كالمعدة ، والأمعاء ، وسائر آلات النفس ،
والغذاء ، فما ينكر أن يكون في هذه الحركات تقوية وتحليل للمواد ، ولا سيما بواسطة
قوة النفس وانشراحها في الصلاة ، فتقوى الطبيعة ، فيندفع الألم ، ولكن داء الزندقة
والإعراض عما جاءت به الرسل ، والتعوض عنه
بالإلحاد داء ليس له دواء إلا نار تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى .


وأما تأثير الجهاد
في دفع الهم والغم ، فأمر معلوم بالوجدان ، فإن النفس متى تركت صائل الباطل وصولته
واستيلاءه ، اشتد همها وغمها ، وكربها وخوفها ، فإذا جاهدته لله أبدل الله ذلك
الهم والحزن فرحاً ونشاطاً وقوة ، كما قال تعالى : " قاتلوهم يعذبهم الله
بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين * ويذهب غيظ قلوبهم " [ التوبة
: 14 ، 15 ] ، فلا شئ أذهب لجوى القلب وغمه وهمه وحزنه من الجهاد ، والله المستعان .





وأما تأثير لا حول ولا قوة إلا
بالله في دفع هذا الداء ، فلما فيها من
كمال التف

descriptionالطب النبــــــــوي  الجزء الثالث    Emptyرد: الطب النبــــــــوي الجزء الثالث

more_horiz
الطب النبــــــــوي  الجزء الثالث    The_be10

descriptionالطب النبــــــــوي  الجزء الثالث    Emptyرد: الطب النبــــــــوي الجزء الثالث

more_horiz
شكرآآ على الموضوع الرآئـــــع

بإنتظآآر كل جديد منكـ

descriptionالطب النبــــــــوي  الجزء الثالث    Emptyرد: الطب النبــــــــوي الجزء الثالث

more_horiz
واآاو ~

موضضوع مبهــر بلمعـآنه و تألقه الذهبــي .. موضضوع مفيــد و جميــل

لمسسة من حلآت العسسسل .. من نهــر ابدآعه عــذب و صصفآء .. جميع الطرق موجودة *.*

و بطريقــهـ لا تفنــى جمالهــا .. تباركـ المولــى على الابدآع الصصافي المثالي ^.^ .. تسسسسسلم\ين :)


 
 KonuEtiketleri عنوان الموضوع
الطب النبــــــــوي الجزء الثالث
 Konu BBCode BBCode
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى