قرّرت النصوص بشكلٍ قاطع مسألة زيادة الإيمان، وبيّنت أن العبد إذا قام بفعل الطاعات وعمل الصالحات مخلصاً لله تعالى فلا شك أن ذلك سيؤثر على مستوى إيمانِه ليظلّ في ازدياد، حتى يبلغ أرقى الدرجات وأكلمها.
وكما أن القرآن كان سبّاقاً في تقرير هذه المسألة وتأصيلها، كذلك جاءت السنة النبوية بتأكيد هذا المعنى، وهو عدم استقرار الإيمان القلبي على حالٍ واحدة، وبيان طبيعته المتغيّرة صعوداً وهبوطاً بحسب إقبال العبد على الله أو بعده عنه.
ويمكن القول أن الأحاديث النبويّة الشريفة قد تنوّعت طرائقها في تقرير هذه المسألة، صراحةً أو ضِمْناً، ويمكن أن نستعرضها كما يلي:
الإقرار النبوي
ثمّة أحاديث نبويّة تذكر قضيّة زيادة الإيمان وتستخدم مصطلح "استكمال الإيمان"، ومعناه أن الإيمان في هذه الحالة يترقى في درجات الكمال، وهذا الترقي هو بالضرورة زيادة في إيمان العبد.
ثمّة أحاديث نبويّة تذكر قضيّة زيادة الإيمان وتستخدم مصطلح "استكمال الإيمان"، ومعناه أن الإيمان في هذه الحالة يترقى في درجات الكمال، وهذا الترقي هو بالضرورة زيادة في إيمان العبد.
جاء ذلك في حديث أبي أمامة رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان) رواه أحمد وأبوداود.
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا) رواه الترمذي وأبو داود.
وإن كان التعبير عن كمال الإيمان صريحاً فيما مضى، فثمّة حديث آخر يشير إليه بالمعنى، وهو حديث حذيفة رضي الله عنه في صحيح مسلم، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (تُعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا، فأي قلب أُشْرِبها، نُكِتَ فيه نكتة سوداء، وأي قلبٍ أنكرها، نُكِتَ فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا فلا تضرّه فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود..) الحديث.
والشاهد أن القلب يتأثّر بالفتن فيسودّ ويبيضّ، والفتن لها مسبّباتٌ وهي المعاصي، فدلّ ذلك على أن المعاصي تقلّل من نقاوة القلب، وبالعكس: الامتناع عن المعاصي يزيد في نقاوتها، والنقاوة والكَدَر إنما هي تعبيرٌ عن الحالة الإيمانيّة زيادةً ونقصاناً.
وقد عبّر علي أبي طالب رضي الله عنه عن هذا المعنى بقولِه: "الإيمان يبدو نقطة بيضاء في القلب، كلما ازداد الإيمان ازداد ذلك البياض، فإذا استكمل الإيمان ابيضّ القلب كلّه، وإن النفاق ليبدو نقطة سوداء في القلب، كلما ازداد النفاق ازداد السواد، فإذا استكمل النفاق اسودّ القلب كله، وايم الله، لو شققتم عن قلب مؤمن لوجدتموه أبيض، ولو شققتم عن قلب منافق لوجدتموه أسود".
نفي الإيمان في بعض النصوص
في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينهب نُهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها بأبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن) رواه البخاري ومسلم واللفظ له.
نفي الإيمان في بعض النصوص
في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينهب نُهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها بأبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن) رواه البخاري ومسلم واللفظ له.
فالحديث هنا ينفي كمال الإيمان –وليس أصله- حين يقوم المؤمن بارتكاب عددٍ من الفواحش كالزنا والسرقة، وشرب الخمر وغيرها، وفي نفي كمال الإيمان دلالةٌ على أنه يقبل الزيادة والنقصان .
لأن إثبات انتقاص كمال الإيمان والنزول عن مرتبته هو تعبيرٌ عن نقصان الإيمان بفعل هذه المعاصي، وطالما كانت المعاصي سبباً في نقصان الإيمان، فلا شك أن التوبة منها –والتوبة عبادة- والقيام بالطاعات سيزيدها في المقابل، إذ لا يُعقل ألا يكون للطاعات أثراً في الزيادة في الوقت الذي ستؤثر فيه المعاصي بالنقصان، لأن مؤدّى ذلك استمرار التناقص في مستوى الإيمان دون توقّف –لعدم خلو الإنسان من المعاصي ولعدم عصمته- حتى يؤدّي ذلك إلى تلاشيه بالكليّة، الأمر الذي يناقض صحيح العقيدة مصادمةً صريحة.
التفاضل في الإيمان
ويشمل أنواعاً من التفاضل، كلّها تدلّ على الفوارق الإيمانيّة بين المكلّفين، والتفاضل يعني بالضرورة زيادة إيمان البعض عن غيرِهم.
التفاضل في الإيمان
ويشمل أنواعاً من التفاضل، كلّها تدلّ على الفوارق الإيمانيّة بين المكلّفين، والتفاضل يعني بالضرورة زيادة إيمان البعض عن غيرِهم.
ففي تفاضل الإيمان في الدنيا، حديث أبي سعيد رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بينا أنا نائم، رأيت الناس يُعرضون عليَّ وعليهم قُمُص –يعني الثياب-، منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما دون ذلك، وعرض عليَّ عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره قالوا: فما أوَّلت ذلك يا رسول الله؟ قال: الدين) متفق عليه.
وفي تفاضل العمل –والذي هو ثمرة الإيمان-، حديثه الآخر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم.
وفي التفاضل في الحساب، حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً: (..وهؤلاء سبعون ألفا قدامهم يدخلون الجنة، لا حساب عليهم ولا عذاب..)حديث البخاري.
وفي التفاضل في سرعة الجواز على الصراط، حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، مرفوعاً إلى النبي –صلى الله عليه وسلم-: (..فأكون أنا وأمتي لأول من مرّ أو أول من يجيز –أي على الصراط-، فيمرّون عليه مثل البرق، ومثل الريح، ومثل أجاويد الخيل والركاب..)الحديث رواه أحمد.
وفي التفاضل بين من لا يدخل النار، أو يدخل فيها يسيراً، وبين من يطول مكوثه فيها، حديث أبي سعيد رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، ثم يقول عز وجل: أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان..) الحديث متفق عليه.
فاتضح من كل ما تقدم أن كل دليل يدلّ على نقصان الإيمان، فهو دليلٌ على زيادتِه كذلك؛ وإلا لما كان الحث على التوبة والإنابة إلى الله معنى، وإذا كان الكافر –وهو الفاقد للإيمان بالكليّة- مخاطبٌ بالتوبة موعودٌ بأن إسلامه يجبّ ما قبله، فالحال للعاصي أولى وأحرى، وهذا ما يُفسّر التلازم بين زيادة الإيمان ونقصانه .