ارتكاب الكبيرة والتوبة
منها وشروط التوبة
ما حكم من ارتكب كبيرة فتاب وعاد إلى
ربه هل تكفر التوبة ذنبه أم أن إقامة الحد علية هي التي تكفر ذنبه وإذا
كانت التوبة تكفي فهل ينجو من عقاب الله في الدنيا والآخرة أم لا ؟
الجواب
:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين،
أما بعد:
جواب سؤالك بارك الله فيك :
أولاً : ليس من شرط التوبة
إقامة الحد، إنما يشترط للتوبة من المعصية الشروط التالية:
الشرط الأول:
الإخلاص لله، فينبغي أن تكون نيتك فيها خالصة لله تعالى.
الشرط الثاني:
الإقلاع عن الذنب.
الشرط الثالث : الندم على ما فات. والندم توبة.
الشرط
الرابع : العزم على عدم العود.
الشرط الخـامس : التحلل من أصحاب الحق
إذا كانت المعصية فيها تعدي على حق، أو إرجاعه إليهم إذا كان يمكن ذلك!
فليس
من شروط التوبة التي ذكرها العلماء إقامة الحد، فلو سرق المسلم أو زنى أو
شرب الخمر أو قتل مسلماً أو قذف مسلماً، وستر الله عليه وتاب من المعصية
تاب الله عليه، فالتوبة تغسل الحوبة، و لا يشترط للمغفرة أقامة الحد!
ثانياً
: وهل التوبة تكفر العذاب الأخروي المتعلق بفعل المعاصي؟ الجواب : جاء عن
أَبي إِدْرِيسَ عَائِذُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ
الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا وَهُوَ أَحَدُ
النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ:
"بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا
تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَقْتُلُوا أولـَادَكُمْ وَلَا تَأْتُوا
بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ وَلَا
تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ فَمَنْ وَفي مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ
وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ
كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ
اللَّهُ فَهُوَ إلى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ
عَاقَبَه. فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِك" أخرجه البخاري ومسلم.
والشاهد في
الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: "وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا
ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ فَهُوَ إلى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ
شَاءَ عَاقَبَه"؛ فهذا يشمل مـن تاب من ذلك ومن لم يتب، وقال بذلك طائفة.
وعلى هذا من عمل معصية فهو في مشيئة الله إن شاء غفر له وإن شاء عذبه، سواء
تاب من معصيته أو لم يتب.
وذهب الجمهور إلى أن من تاب لا يبقى عليه
مؤاخذة، ومع ذلك فلا يأمن مكر الله لأنه لا اطلاع له هل قبلت توبته أو لا!
وقيل
: يفرق بين ما يجب فيه الحد وما لا يجب.
والحاصل : أن من تاب من الذنب
توبة نصوحا فإن الله يتقبل توبته، والله عزوجل يقول: (إِنّمَا التّوْبَةُ
عَلَى اللّهِ لِلّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوْءَ بِجَهَالَةٍ ثُمّ يَتُوبُونَ
مِن قَرِيبٍ فَأولَئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ
عَلِيماً حَكِيماً)، ويقول: (أَلَمْ يَعْلَمُوَاْ أَنّ اللّهَ هُوَ
يَقْبَلُ التّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصّدَقَاتِ وَأَنّ اللّهَ
هُوَ التّوّابُ الرّحِيمُ)، ويقول: (وَهُوَ الّذِي يَقْبَلُ التّوْبَةَ
عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُواْ عَنِ السّيّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ).
ويقول: (يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُواْ تُوبُوَاْ إلى اللّهِ تَوْبَةً
نّصُوحاً عَسَى رَبّكُمْ أَن يُكَفّرَ عَنكُمْ سَيّئَاتِكُمْ
وَيُدْخِلَكُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ يَوْمَ لاَ
يُخْزِى اللّهُ النّبِيّ وَالّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى
بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبّنَآ أَتْمِمْ لَنَا
نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَآ إِنّكَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). وعسى من الله
واجبة!
وهذه الآيات ترجح مذهب جمهور العلماء، فيكون من تاب من المعصية
توبة نصوحاً داخلاً في المغفرة، ومن مات على المعصية ولم يتب منها فهو في
مشيئة الله إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه، وهذا مصداقه في قوله تعالى:}(
إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ
لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً
عَظِيماً).
فاحمد الله يا أخي على رحمته وأسأله مغفرته، واستر على نفسك
بستر الله عليك، وأحرص على التوبة والاستغفار والندم على ما فات، وإياك
والاغترار والأمن من مكر الله، غفر الله لي ولك ولجميع المسلمين. هذا ما
لزم جواباً لسؤالك، وفقنا الله وإياك!
للشيخ محمد عمر بازمول حفظه الله تعالى